أصر توماس كارليل(1795-1881) على أن القادة”الحقيقيين”- الأبطال- يولدون لا يصنعون. فالجماهير المنغمسة في” السكر والهراء”- غير قادرة على إنتاج قادتها، والرؤساء الرأسماليون الجدد- “أصحاب المطاحن”- مشغولون فقط بتجميع الثروة المادية. بالنسبة لكارليل لا يظهر القادة بسبب تأثير الثقافة المحيطة بهم أو بسبب التعليم بل بسبب موهبتهم الخام- “الفطرية”- بجانب امتلاكهم”إرادة السلطة” كما ذكر نيتشه. ولد أبطال كارليل ليكونوا قادة ولكن لم يولدوا عظماء، لذا فإن قائمته
ضمت النبي محمدًا، ولوثر، وفريدريك (الذي أصبح) العظيم، وكرومويل، ونابليون؛ جميعهم(ومن ضمنهم هو) ولدوا دون أن يكون لديهم الكثير سوى”الإرادة الفطرية” والقدرة على القيادة. وكما أصر كارليل:
التاريخ العالمي، التاريخ الذي يسرد ما حققه الإنسان في هذا العالم، في النهاية ما هو إلا تاريخ العظماء، هؤلاء العظماء، النماذج والقدوات وبمعنى أعم المبدعين الذين حققوا كل ما حاول جموع البشر فعله أو الوصول إليه؛ فجميع الأشياء التي رأيناها تتحقق في العالم ما هي إلا النتائج المادية الظاهرة، والتجسيد العملي للأفكار التي شغلت عقول العظماء الذين أرسلوا إلى العالم: ربما يكون من الإنصاف أن نعتبر أن جوهر تاريخ العالم بأكمله هو تاريخ هؤلاء العظماء.
(كارليل، 2007: 1)
كان كارليل متعاطفًا مع وجهات النظر الثورية المعاصرة عن القيادة؛ آلية رد على مشكلة التنسيق في حقبة احتاجت النجاة فيها إلى فعل جماعي لجمع الغذاء وحماية الجماعة. تعتبر نشاطات لمجتمعات الجمع والصيد المثال الأرجح الأقرب للنماذج البشرية الأولى للقيادة التي عاشت في الحقبة البلستوسينية (من حوالي ١٫٨ مليون عام إلى10000 عام مضت، نهاية العصر الجليدي الأخير) التي كانت مجموعات شبه بدوية من الأقرباء تتكون من 50-150 فردًا من البشر، والتي من المرجح أنها انتقلت من منشئها في أفريقيا منذ حوالي ٢٠٠٠٠٠ عام مضت. أوجد تطور الزراعة المستقرة بعد نهاية العصر الجليدي كمية جيدة من الاحتياطيات والموارد التي قد تكون أفرزت داخلهم نزعة لهجر ثقافة الجمع والصيد ونماذج القيادة المبنية على المساواة والمشاركة المرتبطة بنماذج القيادة المعاصرة.