وهناك طريقة أخرى للتعبير عن ذلك وهي أن التركيز التقليدي لكثير من دراسات القيادةإجراءات اتخاذ القرارات من قبل القادة الأفراد- يشار إليه على نحو أفضل بأنه نتاج للأنشطة “المنطقية” الخاصة بأفراد المؤسسة. وكما يقول ويك: إن ما يعد “واقعًا” هو إنجاز متراكم ومستمر، حيث يحاول الأشخاص أن يجدوا معنى في “الأشياء تافهة القيمة” المحيطة بهم، بدلًا من نتائج اتخاذ القرارات بعقلانية بواسطة القادة. ولا يعني ذلك أن نشاط إضفاء المنطقية نشاط ديمقراطي؛ لأنه دائمًا ما يوجد أشخاص منهمكون فيه أكثر من غيرهم، وهؤلاء القادة هم “المحترفون”؛ الأشخاص الذين يضفون معنى على المواد المتنوعة التي يواجهون بها مشكلة معينة ويستطيعون بناء حل جديد لهذه المشكلة من مجموع تلك المواد. وبسبب ذلك، كثيرًا ما يعتمد النجاح أو الفشل على القرارات البسيطة والأفعال الصغيرة، عن طريق القادة وعن طريق “الأتباع” الذين “يقودون” أيضًا. وهذا لا يشير ضمنيٍّا إلى أنه ينبغي علينا أن نتجاهل سؤال أفلاطون القائل: “من يجب أن يحكمنا؟” ولكن يشير إلى زيادة التركيز على سؤال بوبر القائل: “كيف يمكننا أن نوقف حكامنا عن تدميرنا؟” في الواقع، لا يمكننا أن نضمن وجود قادة معصومين، ولكن لأننا نركز على آليات الاختيار، فإن الأشخاص الذين يصبحون قادة رسميين غالبًا ما يفترضون أنهم معصومون، ومن ثم من المرجح أكثر أن يرتكبوا أخطاءً قد تؤثر علينا نحن الأتباع وتدمر مؤسساتنا.
خذ على سبيل المثال نائب القائد البحري البريطاني سيئ السمعة السير جورج ترايون الذي تسببت أفعاله في ٢٢ يونيو ١٨٩٣ قبالة شاطئ سوريا في فقدان سفينته “فيكتوريا”، بعد أن أصر على أن يستدير صفا الأسطول البريطاني كل في اتجاه الآخر في حين لم تكن هناك مسافة كافية. وعلى الرغم من تحذيرات أتباعه بأن هذه العملية مستحيلة، فقد أصر ترايون على تنفيذها وغرق ٣٥٨ بحارًا من بينهم ترايون نفسه.