نمو الذاكرة
4 من أصل 4
كنت مثبتاً بالحزام المربوط حولي بينما حاولت مربيتي بشجاعة الوقوف بيني وبين الخاطف. تعرضت لعدة خدوش ما زلت أستطيع أن أراها على نحو طفيف في وجهها. ثم تجمع الناس، وجاء ضابط شرطة مرتدياً معطفاً قصيراً وهراوة بيضاء، ففر الرجل. ما زلت أستطيع أن أرى المشهد بأكمله، وأستطيع حتى أن أحدد مكانه بالقرب من محطة قطار الأنفاق. وعندما بلغت سن الخامسة عشرة تقريباً، تلقى والداي خطاباً من مربيتي السابقة تقول فيه إنها قد التحقت بجيش الخلاص، وإنها أرادت أن تعترف بأخطاء ماضيها، وبصفة خاصة أن تعيد الساعة التي منحت لها في هذه المناسبة. لقد اختلفت القصة برمتها، واصطنعت الخدوش؛ لهذا، لا بد وأنني قد سمعت – في طفولتي – أحداث هذه القصة، التي صدقها والداي، وأسقطتها على الماضي في صورة ذكرى بصرية».
تطابقاً مع هذا الوصف الذي قدمه بياجيه، قد يكون الأطفال الأكبر سناً والبالغون قادرين على تذكر أحداث حياتهم المبكرة بصورة عامة جيدة نسبياً، ولكنهم يواجهون صعوبة في تحديد مصدرها بسبب ضعف الذاكرة السياقية نسبياً في مرحلة الطفولة. ولهذا «يتذكر» بياجيه الحدث كما حكته المربية (معلناً «ما زلت أستطيع أن أرى، بكل وضوح، المشهد التالي …») ولكنه في نفس الوقت عاجز بوضوح عن أن يدرك تماماً خلال مراهقته) أن المربية كانت مصدر هذه الرواية من الأحداث، التي – في الحقيقة – لم تقع. علاوة على ذلك، قد يكون من الصعب تحديد مكان الذكريات المبكرة بسبب استرجاعها (وإعادة تشفريها) عدة مرات؛ وبالتالي لا يمكن ربطها على نحو دقيق بوقت أو مكان معينين. وكما ناقشنا سابقاً، قد تكون تغيرات السياق (انظر الفصل الثالث