في مرآة أندريه تاركوفسكي

في مرآة أندريه تاركوفسكي

في مرآة أندريه تاركوفسكي 

/ سياج 1819
حيث لا يصلُ الضوءُ أنمو،
حيثما يوجد سياجٌ يتفسّخ
أو لحاءٌ يتعفّن.
وكما لو أنني أتحدّر من نوع قاتل من الفطر،
ما ألفظ من كلمةٍ إلاّ نمت طحالبٌ بين حروفها،
أو ألمس من شجرةٍ إلاّ هوت مخنوقة بأغصانها المريضة
وأوراقها الفاسدةِ.
بهيئة طحلبٍ قاتلٍ أنحني على ضفاف
صورةٍ ضحلةٍ وأمعن النظرَ.
لو كان ثِفلُ قاعها أصفى لرأيتُ الحجرَ
الذي يعيق تدفّق الزمن في مجرى اللقطةِ،
لصرتُ أدرى بفصيلة الشجر
الذي أنتمي إليه.
لكنّ ضغط الماء صار أضعف
من أن يحرّك ورقا أو يزحزح حجرا،
رغم أني لا أبرح أمرجح بيدي في الهواء
وأحرّك رأسي بلا هوادةٍ،
مقلّدا سياجا يتخلّع في الريح
أو شجرة تهوي
في بيت روديون راسكولينكوف (صيّاد أسماكٍ )
منطقة ميشيرا – أسفل مجرى نهر أوكا
روسيا
25 تشرين الأول 1819
/ غابة 1819
«إنهم يقطعون الخشب قبل أوانه».
مخاليقٌ كثيرون يبكون من شدّة الضحك،
وآخرون يتعثّرون بي متأفّفين:
«هذا ما يفعل الخمرُ الرديء بأصحابه».
نائما، كشُجيرة الكافور في روث الكلاب، كنتُ أسمع
خطوةَ الحطّاب فوق نشارتي الخضراءِ،
صوتَ منشاره الكهرباءِ،
أمّا أنا فقد كنتُ ألهث بالنيابة عن حَشف الغزال.
في نقطةٍ ما وراء العقل مربوطا إلى طرف السياج،
أحكّ الهواء بحافري وأهزّ رأسي باكيا على الشجر
الذي طعِمتُ من أوراقه ونمتُ في ظلاله،
لكنّ أحدا لم ينتبه إلى تبدّل نبرتي وأنا أغمغم
تحت سقف محطّة الأرتال:
«إنهم يقطعون الخشبَ قبل أوانهِ».
مقعد خشبيّ على بعد 20 م من نهر الفولغا
مدينة رفراجيه
12 آذار 1819
في مرآة أندريه تاركوفسكي / بجعةُ 1819
أقول 30 فهرنهايت وأنا أقصد
أعرف عن المنام أكثر ممّا أعرف عن اليقظة.
أقول اليقظة وأنا أقصد البجعة التي كنتُها نفقت،
«آه يا أخي. لعلّك الآن تفهم لماذا أني لا أرسل نظرتي
فوق غدران ضحلةٍ،
ساحبا عنقي الطويل إلى الوراء!».
إلى الوراء وأنا أقصد
أتذكّر كمنْ ينسى، أنسى كمَنْ يتذكّرُ.
كمن يتذكّرُ
وأنا أقصد في المرآة أنظرُ،
لا كمن يرى،
إنما ككلب صيدٍ التقط رائحة مّا أو تعرّف إلى أثر.
فنيدقُ ستافروجين –
على شاطئ بحيرة بوليشييفو
بيريسلافل
روسيا
شتاء 1819
في مرآة أندريه تاركوفسكي / قصبةُ 1819
زياد عبد القادر*
أنا عازفا الكمان اللذان تخلّفا عن جنازتك.
قطعتُ 99 كيلومترا من عواطفك، مررتُ فيها
بغدران ضحلةٍ وبركٍ موحلةٍ.
ومثلما من اهتزاز قصبةٍ تستطيع أن تعرف أيّ ضغطٍ
يوجد هناك في النهر، خوّضتُ في مائك الضحل
متّسخا بثفل القاع ومرتعشا كقصبةٍ موحشةٍ.
خيولٌ هزيلة تنام في أعشاب قلبك رفعت رؤوسها
وأنا أمرّ.
بمشقةٍ سرتُ نحوك. أقطع بركة فأزداد لا أحدا،
أجتاز غديرا فتنبت قصبة موحلة.
مشيتُ طويلا فلم أنتبه إلى أنني صرتُ جيشا من العازفين،
وحين هدّني التعبُ أرحتُ رأسي في هواجسك
ونمتُ متجاورين.
لكنّ أحدا لم ينتبه إلى حقيقة أنني لمَا تخلّفتُ عن الحفل
لو لم أكن مجرّد حقل من القصب.
لسوء الحظ، دائما ما كان ينقصني كيلومترٌ واحدٌ
لأقنع الآخرين بذلك.
حانة المحراث –
غيرُ مصنّفٍ
سخالين
شتاء 1819
/ مدخنة 1819
غفرانكِ أيتها القسوة!
فقط لو أتذكّر كهفكِ، حيث أقمتُ دهرا
أغذّي أفرانكِ بأخشاب الرحمة
وأنفث دخانكِ في بريّة قلبي
كمدخنةٍ منعزلةٍ.
كلّ من رآني ظنني سخام طنجرةٍ،
البعض ظنني هُباب شجرةٍ تحترق.
آخرون اكتفوا بأن نظروا إليّ كمن يتابع
دخان قاطرةٍ يتبدّد في الهواء.
أنام فينبت عشبٌ يابسٌ في شقوق حجارتي،
دخاني يلوح على بُعد فراسخ صدِئا ومبدّدا.
حتى إنّ أيّ طائر متوحّدٍ لن يخطئ لحظة
في تخمين هويّتي.
الغرفة رقم 03 في فندق البجعات الثلاث
حيث أقام إيفان إيليتش
سفردولفسك
*شاعر وكاتب تونسي – عضو حركة نص –
زياد عبد القادر

m2pack.biz