طِفْلٌ شَقِيٌ
لَمْ يَكُنْ خِيارُنَا فِي أنْ نَطوِيَ سَجِيَّة أشجَارِنَا المُورِقَة
وَنَفْرِضَ فُتُور دَهِشَتِنَا بِرقصةِ الطَّوَاوِيسِ عَلَى مَا يَعْتَرِينَا مِنْ غِبْطَة
نَحْنُ الْعَائِدِينَ
مِثْلُ جِرَاء تَائِهَةٍ بتَوْقِيتِ السَّاعَةِ الْخَامسَةِ وَالْعُشُرَيْنِ صَوْب أَوْهَامِنَا الشَّخْصِيَّة
أَعمَارُنَا فِي عَرَبَاتِ الْقطَّار
تَوَقَّفَتْ عَنِ النُّمُوِّ
عِنْدَ أَشْيَاء حَمِيمَة
خَطَفَتْهَا الرِّيَاحُ مِنْ زَوَايَا الْبَيْت
مَعَ أَنَّ بَشَرَتَنَا لَمْ تَزلْ تُغَريَ الْفَتَيَاتُ لِتَقبِيِلِهَا.
مَالفَتَ اِنتِبَاهِي أنَّنا لَمْ يَكُنْ لَدَينَا مُتَّسعٌ مِنَ الحُرِّيَّة
لِنَعْبَثَ تَحْتَ ظِلَالِ الْأَشْجَارِ بِعِلاقَاتٍ حَمِيمَة
أو الضّيَاعَ فِي غَابَاتٍ بَعِيدةٍ عَن الضَّوضَاء
أَو الصُّعُودَ الى قِمَم جِبَالٍ مُغطاةٍ بِالثُّلوجِ فِي مَوْسِمِ الصَّيف
أو التَّسَكُّعَ فِي شوَارع مُدُن أَجْنَبِيَّةٍ تَغْفُو فِي حِضْن السَّوَاحِل.
كَانَ لَدَينَا قَليلُ مِن حظٍّ مُتَرَنّح
تَحتَ مَسَارٍ كَونِي بَارِدْ
لِنَشْحَنَ رؤانا نَحوَ مَدينةٍ كُنّا دَائِماً نَشتَاقُ إلَى رَبِيعِهَا
ثُمَّ نَستَدِيرُ بهَوَاجِسِنَا بَعيداً عَنهَا مِن غَير أنْ تُستَثَارَ فِينَا المَخَاوف .
رُبَّما المَسَافَةُ بيني وبين امرأةٍ أحبَبتُهَا فِي رَيعَانِ الشَّبَابِ كَانَت قَصِيرَةٌ جِداً
إلاّ انني اليوم أجدها تشبه اكتشافَ ضِفّة ثالثة
لَعَلّي أُدْرِكُهَا بَعْدَ حِين
لعلّي
أُغمِضُ عَينَيّ أمَامَ صُورةٍ لهَا مَازَالَت تقبَعُ فِي ذَاكِرَتِي
ليَكونَ عِطرُهَا بِرَائِحةِ اللّوز
ولعلَّ ترنيمةً تنتظرُني فِي مَا لَو استَدَرتُ عَائِداً مِنْ حَيثُ أتَيتْ
مِن البَرَاري التي تَرَكتُهَا خَلفي
أعتدتُ أنْ أستَلّ فَرَحي
وعِندَمَا أكفُّ عَن العِشقِ سَأعمَلُ عَلى أنْ أغَامِرَ بِهَا مَرّة أخرَى .
لنْ أتوَقَّفَ عَن التشرُّدِ فِي طُرُقَاتٍ مَشى إليهَا أراغون
طَالمَا مَا زِلتُ أستَمتِعُ بالفُطُورِ فِي سَاعَاتِ الصَّبَاحِ الأولَى
وَأَتَأَمَّلُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي حَرَكَة الْغُيُوم
وَتَحْتَبِسُ أَنْفَاسي شَغَفَا بِمَعْزُوفَةٍ مِنْ آلة الجلو.
أنَا طِفلٌ شَقيٌ يَستَحِقُّ عِقابَ الوَالِدَين
يَعرِفُ جَيداً كَيفَ يُروِّضُ الكِلابَ السَّائِبة
يَنفُخُ فُقاعاتٍ مِن الصَّابُونِ المُلوّنِ عَلى ابنةِ الجِيرَان
يُرَاقِبُ الْغُيُومَ فِي شَهْرِ ديسمبر
مُنتَظِراً زَخَّةَ أمطَارٍ تَنقرُ الأرصِفةَ ليُبادِلُهَا اللَّهفَة .
٭ شاعر من العراق
طِفْلٌ شَقِيٌ
مروان ياسين الدليمي