منحوتات العراقي هيثم حسن.. وعي حداثوي مهجوس بالمحلية
تنمو قدرة النحت وتتطور بنائياً وتقنياً، عند الفنان العراقي هيثم حسن بتسارع يشكل لنا قيمة وأهمية نحن متابعي منحوتاته، وتضيف لنا منظومته التعبيرية أشكالاً مختلفة بحركات تمثل خطاباً مرئياً تدفع به الغاية التركيبية ليكون مغايراً قياساً إلى ما تستدرجه المنحوتات التي تحتكم إلى أشكال وقواعد نحتية ثابتة.
هذه التحولات في الصيغ البنائية عائدة إلى المتخيل والكيان الهندسي المستند إلى تقنية قابلة للتحول وليس ثابتاً تفرزه عقائد النحت وأجواؤه الخطية أو الموضوعية، فهو في منحوتاته يفرز لنا شكلاً ذا صبغة تتخذ من استثمار الجسد بنية شكلية تعزز هواجسه وامتثالاته الإغرائية، بحيث تغدو الدلالة محمولاً يدعو لكسر الجمود في الإنسان بدون أن يستنسخ تحولاً في تعريته.
المركبات غايتها في النحت، فرز الجمالي، من خلال توازن العلاقات الإنسانية والأخلاقية واستثمار طاقة الجسد بانشطة إيروسية حيناً وحيوية حيناً آخر.
هذه الحيوية تؤثر في الانزياح الذي يخرج إلى تراكيب جسد الثور ونمط محموله الشبقي وإخضاعه لبواعث حسية. وإذا تحدثنا عن المدلول الذي يريده فربما نلتقي في هدفه مع أغلب النحاتين الذين وظفوا الجسد ورمزية الثور باستدلال معرفي يعود لتاريخ قديم. لكن المهم هنا الطريقة التركيبية والبنائية التي يتعامل هيثم حسن فيها مع أعماله، إنها طريقة تنتج خطاباً درامياً بمظاهر وأسلوبية خاصة به، غالباً ما تعود إلى مركبات وقيم اجتماعية سائدة.
فهو بمنحوتاته لا يثير الشهوة بل يكافح لتنظيم القيم الآدمية، وهذا ما يركز فيه من خلال تراكيب شكلية منزوعة العناصر في فرادة ولمسة تؤدي وظيفتها التعبيرية والشعورية ضمن حدود الوثائق والتركيز المادي. ولكن كل كياناته نظمت بسياق هندسي متجانس محمل بشكل ذلك المنحوت وبأكثر من لون ووحدة عضوية لها إيحاؤها الحركي والطرازي والتكويني.
وإذا أرادت منحوتات هيثم أن تركز على القيم العيانية والدفع بنا إلى السمة الشعورية النائمة في داخلنا، فإن حلقة التحول وتصعيد قدرة اللمسة البنائية فيها أوجدت تدابيرغنية بالمحمول وكيفية التعامل فيه ضمن رسالة يبثها ويصر عليها هذا النحات.
أعمال خارج التقليد تولد مشاعر رمزية وأشكالاً تسودها الرقة وتستجلب تدفق الخيال في صياغتها وكأنها نسيج يجلب النضارة والرغبة بعروض مشدودة إلى الجمال قبل أن تكون سماتها المعيارية توحي بالقدرة والتركيب والزخرفة.
إنها منحوتات ذات طرازية خارج الذائقة يتعذر على المتلقي في بداية رؤيته أن يعي وجهتها ونزعتها التركيبية والرمزية، ولكن سرعان ما يفصح تماسك خطابها وهيمنته الانفعالية بمحفوراتها وأصولها.
وهناك أيضاً سمة أخرى يجب التأكيد عليها في منحوتاته فهي تتجه نحو الهوية المحلية، بدون أن تنغلق على ذاتها بل تنفتح على خطاب التجديد حتى وهي في أشد الإزاحات التي تغويه جراء تعدد وسائل الامتزاج البنائي، فهو يطور وعيا حداثويا مع التمسك والتأكيد على هواجس محليته في موازاة التحولات في النحت الغربي.
حسن من النحاتين الذين لم ينزلقوا في غور الحداثة الغربية بل عمد إلى تفعيلها في إدراك دلالي ومدلول لم يخرج من مدار هويته المنجذب إليها حتى وهو يتزود من ذائقة غريبة عليه.
وهذا النمط من الخيار ضاعفته غرائز الأصول ومغرياتها الزخرفية وما جعله يقيم واجهات شكلية براقة بألوان متناغمة في استعراض منفرد يغوي كل من يتابع تكويناته ورؤيتها إنما ليؤكد منابعه ولتكون المعيارية منتجة لخطاب بصري ذي إيقاع مادي وروحي وتلك دورة من الشد المستند لمخيلة شرقية تلهث وراء التنوع.
ناقد عراقي