النقد والجوائز الأدبية

النقد والجوائز الأدبية

النقد والجوائز الأدبية

يُطرح النقد في الممارسة الأدبية باعتباره سلطة فوق أدبية، لكونه يعمل على تقييم الأعمال، ووصفها، وتفكيك بنيتها، وإبراز مواطن فنيتها وجمالها، وهو في الوقت نفسه دراسة ومناقشة الأدب بشكل عام باعتماد الأعمال المدروسة، وما تقترحه من إمكانيات تركيبية وأسلوبية، ومن خصائص فنية تسمح بتطوير الأدب.
وهذا ما يجعل النقد في الوقت ذاته خطابا وصفيا وتحليليا لعمل أدبي، وخطابا تنظيريا للأدب بناء على الخطاب الأول. ليس هناك تعارض بين الشكلين من الخطاب، وإنما نلتقي بنوع من التعالق الوظيفي، الذي لا يتحقق إلا عندما يشتغل كل خطاب بمرجعية نظرية الأدب. لهذا، عندما يتم الحديث عن أزمة النقد، فالضرورة المعرفية تقتضي الإشارة إلى الشكل الذي يشوبه الخلل الوظيفي، أو الإجرائي والمنهجي، والوقوف عنده يؤشر إلى وضعية الشكل الآخر من الخطاب النقدي. تشكل الجوائز الأدبية تحديا كبيرا أمام النقد، وتضعه أمام مسؤوليته المعرفية اتجاه الممارسة الأدبية، كما تعمل على تقييم وضعيته ضمن نظرية الأدب، من خلال النظر في تطوير النظرية، وتعديل تصوراتها، وإنتاج رؤى جديدة تجعل من نظرية الأدب حالة معرفية غير ثابتة، بفضل الأعمال الأدبية الجديدة، وأيضا القراءات الجديدة والمختلفة للأعمال القديمة/السابقة. ولهذا، فإن الجوائز الأدبية التي بدأ المشهد العربي الثقافي يعرف انتشارها محليا وعربيا، وتتكاثر بشكل مثير، كما بدأت تحظى باهتمام المبدعين الذين بدأوا يأملون انتشار أعمالهم بسببها، من الضرورة أن تساهم في تنشيط حركة القراءة، وتساعد على عملية توزيع الأعمال الأدبية، وتُخصب المناخ الثقافي بأسئلة جديدة، من شأنها أن تُطور الدرس الأدبي في المدرسة والجامعة، وتُعيد النظر في تصورات وآراء. باختصار، من الممكن أن تخلق نقاشا حقيقيا للسؤال الأدبي والفكري، ومن شأن ذلك أن يُلقي الضوء على وضعية التفكير في المشهد العربي، وإلا ستتحول الجوائز إلى عبارة عن مبلغ مالي يُمنح لصاحب العمل الأدبي، أكثر من العمل نفسه، ويتم تحويل أفق الجوائز الأدبية من المنافسة على الأسئلة الجديدة، والأفكار الإبداعية وطرق القول البليغ في الإبداع والفكر،إلى منافسة حول مبلغ مالي قد يخدم المؤلف أكثر ما يخدم فكره وإبداعه. من هنا، تبدو المفارقة بين وظيفية/لا وظيفية الجوائز الأدبية. ومن أجل توضيح إمكانية تحويل الجوائز الأدبية إلى مؤسسة ثقافية فاعلة في السؤال والكتابة والفكر، نسجل مجموعة من الملاحظات بشأن علاقة النقد العربي بالجوائز الأدبية، من أجل إضاءة وضعية الجوائز في التفكير النقدي في الثقافة العربية. ونأخذ نموذجا جائزة الرواية العالمية (البوكر)، ونرصد عملية المتابعة النقدية للروايات المتنافسة. تتميز المتابعة بعملية انتظار اللائحتين الطويلة والقصيرة فالرواية الفائزة، وقلما تعتني المتابعة بتقديم تصور حول الروايات التي صدرت في سنة المنافسة، ومقارنتها بسابقاتها، واستخراج أهم الخصائص الفنية والأسلوبية والجمالية التي تميز النصوص، مع تقديم قراءات نقدية مسؤولة معرفيا ومنهجيا، قراءات تهتم بالعمل أكثر من المبدع، وتوظف لغة التحليل أكثر من لغة التقرير، وتستعمل أسلوب المعرفة النقدية، أكثر من أسلوب المجاملة. للنقد إذن، دور مهم في تنشيط حركة النقاش حول الروايات المتنافسة، وعندما يغيب، فإنه يترك المكان شاغرا، ويساهم في تحويل الجائزة إلى مجرد قيمة مادية، تُفيد الوضع الاجتماعي – الاقتصادي للمؤلف. يستطيع النقد أن يُنتج مناخا صحيا لعمل لجان التحكيم من واجهتين: من جهة، من خلال تقديم قراءات نقدية غير مُجاملة للروايات المتنافسة، وغير المتنافسة أيضا في الجائزة، من أجل وضع تصور عام حول وضعية الكتابة الروائية، مما يجعل النقد عاملا مساعدا لعمل لجنة التحكيم، وفي الوقت ذاته يُشعرها بالمسؤولية الموضوعية المطلوبة في التحكيم. ومن جهة ثانية، يمكن للنقد أن يُشكل خطابا مُحاورا لخيارات اللجنة، بعد إعلان اللائحتين الطويلة والقصيرة وإعلان العمل الفائز.
كاتبة واكاديمية مغربية
زهور كرام

m2pack.biz