ماذا ستجني المعارضة التونسية من رحيل حكومة يوسف الشاهد؟
تونس – «القدس العربي»: تزايدت مؤخراً في تونس الدعوات المطالبة برحيل حكومة «الوحدة الوطنية» التي يرأسها يوسف الشاهد، حيث لجأت أطراف من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى الضغط على رئيس الحكومة مستغلة الوضع الاقصادي والاجتماعي الهش في البلاد، وخاصة في ظل الاحتجاجات المتواصلة في عدد من الجهات، والتي تطالب الحكومة بتنفيذ وعودها السابقة في مجال التشغيل والتنمية.
واللافت أن أغلب الدعوات تتفق جميعها على ضرورة «رحيل» الحكومة، لكنها تختلف في «البدائل» المطروحة، فثمة من يطالب بانتخابات تشريعية مبكرة ومن يدعو إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة، وآخر يكتفي بمطالبة رئيس الحكومة بإجراء تعديل كبير داخل الحكومة الحالية، ورابع يطالب بحوار وطني جديد لمعالجة مشاكل البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
غير أن هذه الدعوات، رغم أهمية بعضها، ما زالت ذات طابع «نظري» وتفتقر للجدية وخاصة أن أغلب من أطلقها لا يملك حلولا فعلية لمشاكل البلاد، فيما يحاول الآخرون توظيفها في حملاتهم المبكرة للانتخابات البلدية التي يفترض إجراؤها في نهاية العام الجاري، وفق ما يؤكد بعض المراقبين.
ويعلّق المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي على الدعوات المطالبة برحيل الحكومة بقوله: «المطالبة بإقالة الحكومة في هذا الوقت بالذات غير صحيحة باعتبار أن الحكومة بدأت للتو أولى خطواتها العملية، بعد ثمانية أشهر من تشكيلها، وهي تتحرك ببطء رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها، ولكن مشكلتها تكمن في أنها تعطي وعوداً كثيرة لا تستطيع تجسيدها على أرض الواقع، وهذه الوعود بدأت منذ تولي الشاهد لمنصبه وخاصة تعهده بالقضاء على الفساد فنحن لم نلاحظ أي عملية (واسعة أو محدودة) لتقديم بعض الفاسدين للقضاء أو التشهير بهم حتى يكونوا عبرة للآخرين، كما أن الحكومة لم تتمكن من حل مشاكل عويصة ومتراكمة منذ عقدين من الزمن وتضخمت بعد الثورة، وهي لم تتمكن أيضا من تفعيل أحد بنود الدستور المتعلق بالتمييز الإيجابي (بين الجهات)».
ويضيف في تصريح خاص ل«القدس العربي»: «رغم ما سبق، يجب القول إن الحكومة ما زال بإمكانها إنجاز الكثير إذا ما وجدت حزاما سياسيا واجتماعيا، لكن للأسف هذه الحكومة تخلى عنها بعض الحلفاء من الأحزاب الذين وقّعوا على وثيقة قرطاج، ويقومون الآن بقذفها والمناداة بعزلها وتعويضها بحكومة أخرى، وأعتقد أن عملية التعويض هذه لا تخدم البلاد ولا عملية الانتقال الديمقراطي، فخلال ست سنوات ونيف (منذ الثورة) توالت على تونس ثماني حكومات، وهذا لا يساعد على الاستقرار السياسي في البلاد في ظل مجموعة من الهزات الداخلية الخطيرة، كما أن البعض يتحدث الآن عن الرغبة بنيل جزء من الثروات الطبيعية (الغاز والبترول والفوسفات) في بعض الجهات، وهذا يهدد وحدة وسيادة الدولة التونسية، إذا ما أضيف للمخاطر الإقليمية وخاصة مع يجري حاليا من اضطرابات متجددة في ليبيا، مع الإشارة إلى أن الإرهاب ما زال ينشط داخل تونس، وخير دليل على ذلك عملية سيدي بوزيد الأخيرة».
وكان الأمين العام لحركة «مشروع تونس» محسن مرزوق طالب رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالاستقالة، داعياً إلى تشكيل حكومة «كفاءات وطنية غير متحزبة»، فيما دعا زياد لخضر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين (الوطد) والقيادي في الجبهة الشعبية إلى انتخابات برلمانية مبكرة على خلفية «تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في الفترة الأخيرة».
ويرى الحناشي أن «أي حكومة جديدة لن تضيف شيئاً أمام هذه التحديات والمخاطر الكبيرة في البلاد، وإنما يمكن في المقابل تطعيم الحكومة الحالية ببعض الشخصيات السياسية الفاعلة وذات القدرة، كما أنه يمكن لمن تبقى من أحزاب مساندة للحكومة أن تكون أكثر فاعلية ونشاطاً في مساندتها لرئاسة الحكومة، فضلاً عن المنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج (اتحادات الشغل والصناعة والتجارة والفلاحة) وهذا يمكن أن يساعد في تحقيق نوع من الاستقرار».
ويؤكد، في السياق، أن أداء بعض أحزاب الائتلاف الحاكم يعطّل عمل الحكومة و»أعني تحديداً ما يعانيه حزب «نداء تونس» الذي يفترض أنه حزب رئيس الدولة والحكومة، فهذا الحزب أصبح – للأسف- أحد أهم العوامل التي تعرقل أداء الحكومات (حكومتي الصيد والشاهد)، وهذا نلاحظه يوميا سواء من خلال التصريحات أو الممارسات من هنا وهناك (داخل الحزب) وهذا لا يساعد الحكومة على أداء مهامها».
ويضيف: «نحن على أبواب الانتخابات البلدية وهذا أحد العوامل التي تدفع جميع الأحزاب للمزايدة السياسية من أجل كسب أكثر ما يمكن من الناخبين للانتخابات القادمة، التي يفترض أن تعقد في ديسمبر (كانون الأول) ولكن التحضير لها بدأ منذ الآن، وهذا الأمر ينطبق على حركة النهضة التي من المفتروض أن تكون لها مواقف شديدة الوضوح مما يجري في البلاد، وخاصة في ما يتعلق بالاحتجاجات الاجتماعية، فهي يجب أن تكون مساندة للحكومة في سلوكها السياسي وقراراتها، وأن تسعى معها في إيجاد حلول للمشاكل القائمة في البلاد، وألا تظل مترددة وتقوم بحسابات سياسية أعتقد أنها لا تخدم حكومة الوحدة الوطنية ولا مستقبل الحزب (النهضة) في حد ذاته ولا مستقبل الدولة التونسية، وخاصة أن المناطق التي توجد فيها الاحتجاجات الشعبية هي مناطق النفوذ السياسي لحرك النهضة».
وكان القيادي في حركة «النهضة» زبير الشهودي رد على اتهام الحركة بانتهاج سياسة مزدوجة (رجل في الحكومة ورجل في المعارضة) بقوله: «النهضة رجلها راسخة في مسألة الحكم، ويكفي أنها الطرف الأكثر دفاعا عن الحكومة، كما أن الجهة التي تشرف الآن على إدارة التفاوض هم وزراء النهضة ومسؤولوها، ولكننا نحتاج أيضا إلى تثبيت طلبات الناس والتجاوب معها حتى لا يصبح هناك وضع أشبه بكرة ثلج ويتحول هذا الموضوع إلى حالة احتقان اجتماعي لا يمكن التعاطي معه أو السيطرة عليه».
ولحل الأزمة المستمرة في البلاد، يقترح الحناشي «إجراء حوار وطني سياسي واقتصادي واجتماعي موسع تحضره كل الفعاليات الوطنية من أجل رسم خطة جديدة استعجالية لمعالجة المشكلات الحالية مع الأخذ بعين الاعتبار ما يجري في الجوار (ليبيا والجزائر) ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا يتشابه إلى حد ما مع الحوار الوطني السابق الذي أدى لحل الأزمة السياسية بين المعارضة والترويكا، لكن أوسع منه عموما، ولا بد أن يتضمن (الحوار الوطني الجديد) الاتفاق على تطوير صيغة اتفاق قرطاج وإيجاد آلية (لجنة من الأحزاب) لمراقبة تجسيدها على أرض الواقع، فضلاً عن مناقشة كيفية الخروج من المأزق الحالي الذي تعيشه البلاد، وأذكر مجددا بضرورة إجراء تحوير وزاري واسع يتضمن تطعيم هذه الحكومة بكفاءات وطنية مستقلة وليست حزبية، رغم أن هذا الأمر الأخير قد يصطدم برغبات الحزبين الحاكمين (النداء والنهضة) الساعيين دوماً لوجود محاصصة حزبية في الحكومة، رغم أن هذه التجرية (المحاصصة الحزبية) لم تأت سوى بالوبال على البلاد سواء عبر هذه الحكومة أو التي سبقتها».