ابن مسكويه 291 من 297

 

ابن مسكويه

الجواب الاخر فهو ان الانسان لما كان ذا قوي كثيره يسمى بمجموعها انسانا واحدا لم ينكران تصدر عنه افعال مختلفه بحسب تلك القوي وانما المنكر ان يكون الشيء الواحد البسيط ذو القوه الوحيده تقع منه بتلك القوه افعال مختلفه لا بحسب الالات المختلفه ولا بقدر القابلات منه بل بتلك القوه الواحده فقط فهذا لعمري منكر شنيع ولكن الانسان قد تبين من حاله ان له قوي كثيره فيعمل بكل قوه عملا مخالفا للعمل بالاخري أعني انا صاحب بالغضب اذا استشاط  يختار افعالا مخالفه لافعاله اذا كانت ساكنا وديعا .

وكذلك صاحب الشهوه الهائجه و صاحب النشوه الطروب فان من شان هولاء ان يستخدموا العقل الشريف في تلك الاحوال ولا يستشيرونه  ولذلك تجد العاقل اذا تغيرت احواله فصار من الغضب الى الرضا ومن السكر الى الافاقه تعجب من نفسه وقال :  ليت شعري كيف اخترت تلك الافعال القبيحه ويلحقه بالندم .

وانما ذلك لان القوه التي تهيج به تدعوه الي ارتكاب فعل يظنه في تلك الحال صالحاً له جميلاً به لتتم له حركه القوه الهائجه به .

فاذا سكن عنها وراجع عقله راي قبح ذلك الفعل وفساده وقوي الانسان التي تدعوه الي ضروب الشهوات ومحبه الكرامات كثيره جدا فهو بحسب قواه الكثيره تكون افعاله كثيره .

فاذا تعود الانسان ان تكون سيرته فاضله ولم يقدم علي شئ من افعاله الابعد مطالعه العقل الصريح وبعد مراعاه الشريعه القويمه كانت افعاله كلها منتظمه غير مختلفه ولا خارجه عن سنن العدل اعني المساواه التي قدمنا القول فيها .

ولهذا السبب قلنا ان السعيد هو من اتفق له في صباه ان يانس بالشريعه ويستسلم لها ويتعود جميع ماتامره به حتي اذا بلغ المبلغ الذي يمكنه به

m2pack.biz