استطلاع هل خطفت «الصورة» الأضواء من النص «المكتوب»؟

استطلاع.. هل خطفت «الصورة» الأضواء من النص «المكتوب»؟

استطلاع.. هل خطفت «الصورة» الأضواء من النص «المكتوب»؟

في البدء كانت الكلمة وبتطور الزمن والتقنية جاءت الصورة لتصبح هي الفيصل في إيصال المعنى العام والخاص، فتراجعت الكلمة المكتوبة أمام انتشار الصورة عبر وسائل الإعلام المختلفة. وهنا يبدأ البحث عن النص وسؤال يبحث عن إجابة له.. هل خطفت الصورة الأضواء من النص الثقافي المكتوب؟ أم أن خللا ما في النص جعله يتراجع؟ وسنحاول البحث عن إجابة لهذا التساؤل من خلال آراء مجموعة مختلفة من الكُتّاب والمثقفين العرب.
فعل استهلاكي لا يغني عن الكتابة
بداية ترى الكاتبة التونسية عائشة المؤدب أن تطور الاهتمام بالصورة في الراهن أمر طبيعي أمام التطور التقني الكبير، وأمام فتح مجالات فنية متعددة تعتمد على الصورة كعنصر فني وتقني أساسي. الصورة حمالة أوجه والإبداع في التعامل مع الصورة لا يقل عن الإبداع الكتابي. فالصورة لغة عالمية تحمل المعاني والدلالات والأفكار بأيسر السبل إلى المتلقي وتتجاوز عوائق كثيرة، مثل حل شيفرة المكتوب كقدرة وزمن. هي الفكرة مباشرة بأقل وساطة ممكنة، لكنها لا يمكن أن تستغني عن النص، فالنص يعاضدها، يحيط بها، يكملها، يضيف إليها المعنى في معظم الأحيان، هذه الثنائية الجديدة القديمة تعبر بكل تجرد عن العالم الاستهلاكي الذي ننغمس فيه، هو واقع راهن لا نقاش فيه، لكنني لا أعتقد أنه يهدد النص المكتوب الذي يحافظ على أهميته مهما تعددت التوجهات، ويبقى التعامل معه يحمل بعدا جماليا خاصا لا يمكن للصورة أن تبلغه. التعامل مع النص المكتوب هو بناء عالم جديد مع كائن موجود فعلا في داخل كل منا فيه من التأني والحميمية ما يؤصّل العلاقة ويورط القارئ، أما الصورة فهي رسالة ضوئية تبلّغ وتؤثّر ولا ترسخ إلا الفكرة فتتحول إلى معطى استهلاكي حتى لو حملت أبعادا فكرية ثقافية. أعتقد أنه من المهم ألا ننظر إلى الأشياء بمنظور تنافسي بحت، فالمكتوب الثقافي يستفيد من الصورة، كما تحتاج الصورة إلى المكتوب دائما، في كل الحالات لا أرى أن الانتصار إلى أحد الجانبين مفيد، بل قبول التغيرات واحتضان الجديد مع المحافظة على الأصالة والمبادئ.
حالة جمالية واحدة
وتقول الشاعرة المغربية فاطمة بوهراكة، إن ثقافة الصورة سبقت ثقافة الحرف تاريخياً، هذه الثقافة التي عرفها الإنسان منذ الولادة على شكل نقوش وحفريات على الصخور والألواح وما إلى ذلك، لتتطور بعد ذلك وتأتي ثقافة الكتابة أو النص المكتوب، وقد كانت وما زالت هاتان الثقافتان متلازمتين مكملتين لبعضهما بعضا، لا نص الصورة خطف الأضواء عن النص المكتوب ولا العكس.
تكاسل ذهني
ويضيف الشاعر الليبي خالد المغربي، لا لم يخطف نص الصورة الأضواء من النص المكتوب، ولكن الأمر مرهون بمرونة العقل وقدرته على تقبل جماليات الثقافة العربية، فمتى كان العقل مرنا وسليما منذ النشأة سينتج ثقافة مكتوبة جميلة، ولكن العقل في عجالة الزمن أصيب بالترهل، ولم يعد قادرا على التفكير العميق والبناء المبني على تراتب زمني، لذلك اتجه الأغلب إلى الخفيف والسريع في التعاطي مع الإبداع. وهذا لا يعني أن الخفيف ليس إبداعاً، لكنه نتيجة التكاسل الذهني الذي قطع الصلة بين (المثقف) الجديد والثقافة العربية الجميلة، بل والثقافة العالمية بشكل عام في إرثها الكبير، لذلك فنص الصورة ازدحمت به شبكة المعلومات والثقافة الحديثة لصعوبة تيسر العقل المرن الذي ينشأ منذ الصغر نشأة ثقافية سليمة.
النص المكتوب هو الأساس
وتؤكد الشاعرة الليبية أم الخير الباروني على أن هوية النص المكتوب تفرض نفسها في كل زمان ومكان ومهما تطورت التقنية وتقدمت العلوم لن يستغني الوجود عن النص المكتوب، فأصل الصورة نص ثقافي مكتوب، سواء كان فيديو كليب أو تمثيلية أو مسلسلا أو مسرحية أو حتى قصة مصورة، وأثق بأن عشاق النص المكتوب يتزايدون.
تناغم جدلي
ومن ناحية أخرى ترى الشاعرة المغربية صباح الدبي، أن الصورة بكل ما تحمله من ثقل ودلالة لها جاذبيتها الخاصة وسطوتها التي لا يمكن أن تقاوم بشكل من الأشكال، وارتباطها بالنص قد يضعنا أمام تناغم جدلي نتحدث فيه عن هذا التعالق بين نص الصورة أو صورة النص، هي إضافة وسلب في الآن نفسه، قد تنير النص وقد تحجب بعض تجليه اللغوي، لكن رغم ذلك لا يمكنها أبدا أن تختطف كل أضواء النص الثقافي، وإن أمكنها حجب بعض شرارته، فهو يظل موشوما في الذاكرة القرائية بامتياز.
عصر الصورة
وعلى النقيض يرد الكاتب السوداني هشام آدم قائلاً: معظم المثقفين المنحازين إلى النص الثقافي المكتوب «الكتاب» ناقمون على التقنيات الحديثة التي أخذت تختزل الأدب والثقافة والهموم الفكرية الكُبرى وتقدمها في شكل كبسولات جاهزة. ناقش من أردتَ الآن في الإنترنت، حول أيّ موضوع، سوف تجده مفتياً وعالماً حاذقاً وما ذلك إلا بفضل تقنية محركات البحث الإلكترونية التي تجعل المعلومة الفكرية في متناول اليد، رغم أنه في الماضي كان لا يتم الحصول عليها إلا عبر القراءة والبحث وبذل الجهد. أعتقد أن هذا العصر لم يعد عصر الكتابة، بل عصر التصوير والتقنيات الخاصة به، ولهذا فإنني دائماً ما أقول إن الأدب سلعة بائرة في هذا الزمن.
الصورة كظِل للنص المكتوب
وينتصر الناقد الأكاديمي المصري عادل درغام إلى النص المكتوب، فنسبة لتراجع الكلمة المكتوبة مقارنة بالصورة، ولأن أدب المسلسلات والأفلام أصبح مسيطرا مقارنة بالمكتوب، فهذا صحيح إلى حد بعيد، ولكن كل هذا يعود إلى نص جيد مكتوب في الأساس، فالورق هو الفيصل. وحيد حامد أو أسامة أنور عكاشة لا يمكن أن تعتبرهما كاتبين للسيناريو فقط، فهما مبدعان قبل رؤية أعمالهما على الشاشة، ولهما وجهة نظر في الحياة، ولهما قدرة على استشراف المستقبل من خلال تحليل الواقع، ومن ثم فالكتابة على الرغم من طغيان قيمة الصورة – تظل مهمة، لأنها الفعل المحرك لكل الأفعال التالية. أما القول بأن فعل الإبصار والمشاهدة الساكنة حل محل القراءة الفاعلة، فهذا أيضا فيه نوع من المشروعية. فعصر ما بعد الحداثة أعطى قيمة للصورة على حساب النص المقروء، لأن هناك توجها ما يتعامل مع الصورة على أنها نص كامل الأركان، فتحليل الصورة خاصة المتجذرة في السياق السياسي قد يكون فاعلا في رؤية الفعل ورد الفعل، بل في معرفة المواقف المطروحة المتعارضة ونتائجها.
إيقاع العصر وتأثيره
ويرى الإعلامي والكاتب الليبي يونس شعبان النفادي أن الكتابة البصرية والمشهدية أصبحت ذات فعالية أكثر في المتلقي، خاصة الجيل الذي يتعامل مع الميديا بصفة عامة، كذلك حضورها طاغ في الأسواق، في كل مكان تجد أن الصورة طغت على الكلمة للأسف. هذا قد يكون بالنسبة للتقليديين يعتبر الأمر عندهم محيرا، ولكن بالنسبة للجيل الجديد في اعتقادي أنه مرحب به، تشعر بسعادة غامرة وأنت تشاهد الأطفال وهم يستمتعون بجمالية الصورة على حساب الكلمة، ولكن نأمل أن توظف الكلمة مع الصورة حتى تصقل المتلقي وهو الطفل بالدرجة الأولى بشكل أفضل.
علاقة تجاور لا تضاد
ويقول القاص الليبي أحمد يوسف عقيلة، أنا أرى أنه لا يوجد شيء يحل محل شيء كل الأشياء ممكن أن تتجاور، كل الأشياء جاءت ولا تذهب، تبقى وممكن تتطور والبدائل ممكن أن تبقى، الكتاب الورقي سيظل مهما تطور الكتاب الإلكتروني، الصورة أخذت حيزا كبيرا ربما هي أسهل، الوسائط الحديثة الآن أسهل من أن تأخذ كتاب وتقرأه فبعض الناس بطبعهم يعتريهم الكسل فيجدون في الصورة أسهل الوسائل للوصول إلى المعرفة بدلا من الذهاب إلى المكتبة أو المعرض لاقتناء كتاب.
الفن بدأ تشكيلياً
وأخيراً يؤصل التشكيلي العراقي سعدي الرحال الأمر من خلال العلاقة بين النص والصورة، فيرى أنه لا بد من الوقوف على العلاقة بينهما وتأثيرهما على المتلقي، فأما أن تكون تكاملية بمعنى أن أحدهما يكمل الآخر، أو أن تكون علاقة تضاد، وهنا لا تعبر الصورة عن المضمون. فالصورة مثلا عند قدماء السومريين كانت هي التي تخلق الفعل الوصفي والتعبيري، ذلك عندما ابتدأت الكتابة التي سميت الكتابة الصورية، ومع تطور المراحل التاريخية تطورت إلى أن وصلت لمرحلة التدوين أو الكتابة. وبتقديري فالصورة أقدر على التعبير منها عن النص المكتوب بفعل تأثيرها البصري على القارئ.
كاتب ليبي
استطلاع: هل خطفت «الصورة» الأضواء من النص «المكتوب»؟
محمد القذافي مسعود
كلام صحيح ويعطيك العافية اخي محمد

m2pack.biz