اللاشعور الاجتماعي 40من اصل40
فربما كان لكل فرد في مجتمع كهذا أن يتشبث في مثل هذه الأحوال بالتخيلات والأوهام لأن معرفة الحقيقة لن تزيده إلا تعاسة على تعاسة. وإن مجتمعات وطبقات اجتماعية آيلة إلى الانهيار لهي أشد تشبثاً بتخيلاتها وأوهامها لأنها لن تجني أي شيء من وراء الحقيقة. وخلافاً لذلك فإن مجتمعات أو طبقات اجتماعية تتوقع مستقبلاً أفضل تقدم شروطاً تسهل رؤية الواقع وإدراكه، لاسيما حين يجديها أن تحدث التغيرات الضرورية. والطبقة المتوسطة في القرن الثامن عشر مثال مناسب هنا في هذا الموضع. وحتى قبل أن تكون لها الغلبة السياسية على طبقة النبلاء كانت تخلت عن أوهام الماضي وفهمت الواقع الاجتماعي للماضي والحاضر فهماً جديداً. وكان كتاب الطبقة المتوسطة قادرين على أن يدركوا أوهام النظام الإقطاعي وتخيلاته لأنهم لم يكونوا في حاجة إلى هذه الأوهام ولأن الحقيقة، على عكس ذلك، أفادتهم. ولما أن الطبقة المتوسطة ثبتت أركانها وسيطرت على الموقف سيطرة تامة وقاومت هجوم اليد العاملة والشعوب المستعمرة فيما بعد، فإن الموقف انقلب وامتنع أفراد الطبقة المتوسطة أن يروا الواقع الاجتماعي ومال أفراد الطبقات الجديدة المتقدمة أكثر ما مالوا إلى أن يتخلوا عن الكثير من الأوهام. وكثيراً ما برز أيضاً بعض الناس من الطبقات التي ناهضوا وآزروا المجموعات المناضلة من أجل حريتها بناء على فهمهم واطلاعهم. وفي مثل هذه الأحوال كلها كان لابد من دراسة العوامل التي تدفع إنساناً إلى أن يقف من فئته الاجتماعية موقف الناقد وأن ينضم إلى مجموعة لا ينتمي إليها بحكم منبته ومنشئه.
إن اللاشعور الفردي واللاشعور الاجتماعي يرتبطان معاً ويتبادلان التأثير فيما بينهما على نحو دائم. والحق أن الشعور واللاشعور هما في نهاية المطاف مرتبطان وغير منفصلين. والمهم ليس مضمون الشيء المكبوت، بل الحالة، أو بالأحرى درجة اليقظة والواقعية عند الإنسان الفرد. وحين يعجز شخص ما في مجتمع ما عن أن يدرك الواقع الاجتماعي ويشحن رأسه، عوضاً عن ذلك، بأخيلة وأوهام، عندئذ تكون قدرته أيضاً محدودة على أن يدرك واقعه الفردي ويعيه، وهذا يعني ذاته وأسرته وأصدقاءه.