طبق فيليه

طبق فيليه

طبق فيليه

مُغلّفة بالنفاق بَدَت له المدينة.. تماما كابتسامة حُرّاس ”المول” الباردة.. تماما كتبسّمه الفاتر في وجه خطيبته كلّما أبدت إعجابا بطقم مجوهرات أو قِطع أثاث يكاد لا يُصدّق أنه قريبا جدا سيركن داخل عشّ مُعيّن في عمارة؛ هو الطائر المُحلّق أبدا والمُعاند دائما لأجواز الفضاء! قريبا جدا سيتناغيان تحت سقف واحد وستعجنهما الرغبة على سرير واحد لينقذفا من عنقها كائنين مُتَغرّبين متهالكين.. جنبا إلى جنب كانا يسيران؛ مأخوذة هي بمتعة التسوّق أمّا هو فعائم كقطعة فلين في بحر التشوّق.. ” يا لروعة تلك الثريات! تعال..” تجذبه من ذراعه وتقوده كما يشتهي بالضبط إلى حضرة الخيال.. تقترح بلهفة لا تخلو من حيرة ثريا مخروطيّة الشكل لرواق الشقة وأخرى حلزونية الشكل كبيرة الحجم للبهو.. فجأة تتنبّه إلى وقوفه الطويل أمام إبداع هندسي غريب: ”غيمة ثريا” مضيئة تذرف رقائق من دَمْع فضّيّ.. ” ما رأيكِ في هذه؟” شدّت شفتيها في استخفاف ثم قالت في ثقة: بالكاد تُرى، نريد شيئا يخطف الانتباه من أول وهلة! ” هذا اقتراح لغرفة نوم” أجابها ببرود وهو ينظر إلى وجهها الزلق اللّمّاع تحت ضوء إحدى الثريات، ثم دفعها برفق لينسحبا من الجناح قبل أن يحدث ما تمناه في سرّه.
برواق الستائر مرّا صامتين.. اجتازت معرض العطور بخطوات تستعجل الخروج.. تنكّر للكتب المرصوصة بعناية على الرفوف.. وتكلّفا مسافة أمان بينهما واقية من حوادث الغَيْر فيما كانا ينزلان إلى الدور الأساس من ”المول”.. أصبحا على مرمى سهم من بوابة الخروج عندما دبّت حركة غريبة عند المدخل فاستأذنهما أحد الموظفين وبقية الجموع بالانتظار حتى يُبعد الحراس مجنونا يُصرّ على اقتحام مركز التسوق.. من بعيد تعرّفت إليه.. ومن بعيد تعرّف إليها فاشتدّ اضطرابه.. حاول مقاومة الحصار مرّة بالعناد وتارة بالترجي لكن من دون جدوى.. بالارتباك أحسّت لمّا حدجها بنظرة نافذة من عينيه العسليتين وبالخوف شعرت وهو يُحدّق في وجه خطيبها.. أكان يراقب تحركاتهما أم تُراها الصدفة دبّرت لقاءهما في مدينة كبيرة غريبة تماما عنهما؟
”لنبتعد عن هذه الفوضى حبيبي!” جذبته من ذراعه في حذر بالغ ثم مالت به إلى ركن يقدم وجبات صينية خفيفة؛ مُعدّدة أسماءها العجيبة وقيمتها الغذائية.. لم يفطن لما حصل ولم يدفعه الفضول للتفكير في أمر ذلك الشخص الممسوس، فقد كان ما يزال مأخوذا بحالة من التشوّق مذ علم هذا الصباح من صديق مُقرّب أن ”كريمة” صارت تشتغل بدورها في المدينة نفسها.. المدينة ذات الطعم الحامض والطعم الحلو.. الحارق من الخارج والمنعش بالتوابل من الداخل.. تماما كطبق ”فيليه بالخل والسكر”!
قاص مغربي
حسن شوتام

m2pack.biz