قراءة في أعمال التشكيلي المغربي عبد السلام بوزيان القصبات الأمازيغية وجماليات التراث

قراءة في أعمال التشكيلي المغربي عبد السلام بوزيان.. القصبات الأمازيغية وجماليات التراث

قراءة في أعمال التشكيلي المغربي عبد السلام بوزيان.. القصبات الأمازيغية وجماليات التراث

الرباط «القدس العربي» من لحسن ملواني: الحديث عن القصبات الأمازيغية من حيث جمالها وفنيتها يوجه تفكيرنا إلى معطيات هي أساس هاته الجمالية، كالتصميمات المعدة لهندستها وقولبة شكلها، وفق منظور فني وغائي معين. هذه التصميمات المتماثلة بشكل لافت، لا تعني التماثل الصارم المفقد للإبداعية فيها. فالاختلافات الطفيفة واردة، وهي اختلافات تتفاعل منظوراتها مع محيط القصبة الذي تتحكم فيه النفعية، بقدر ما تتحكم فيه إبداعية ترسم رؤية السكان للعالم .ولا يخفى أن التصميمات الخاصة بالقصبات محكومة بعوامل متعددة، منها العامل المادي والنفعي والعقائدي والجمالي وما إلى ذلك. وأيا كان تصميمها فإنها في الواقع، أو في لوحات تشكيليين تأسر المشاهد بجماليتها المتمثلة في هندستها ولونها الترابي الطبيعي، الذي يتجانس مع باقي مكونات البيئة، وبذلك تعزز مظاهرها واللوحات العاكسة لجمالها حب القصبة في النفوس، في وقت صار فيه أكثر الأمازيغ يتهافتون على بناء المنازل بطرازها الحديث تقليدا لما في المدن والغرب.
إحياء المندثر
تبرز القصبة ككائن حي يشعر بالسكينة والهدوء محاطا بطبيعة يطمئن بها وإليها. إنها لوحات تتكامل رؤاها كجزء من الطبيعة والفضاء الذي قطنه الأمازيغي، ورغم جمالية القصبة الآسرة فهي في طريقها إلى الاندثار، وقد تزامن الاهتمام بالقصبة مع الخوف على فقدانها، في وقت أهمل البناءون التصميمات الأصيلة والمواد الطبيعية لبنائها. وانطلاقا من ذلك، فالقصبة الأمازيغية صارت تجسد وتثير الشوق للعودة إلى ترميمها، واللوحة التشكيلية باعتبارها خطابا إبداعيا، تساهم في النداء والمطالبة بذلك من أجل تحقيق ذلك، ومن هنا انخرط الفن التشكيلي في هذا التحسيس. وفي هذا الإطار يأتي المنجز الإبداعي للفنان التشكيلي عبد السلام بوزيان.
تجربة بوزيان
بوزيان تشكيلي شاب من جنوب المغرب، كرّس الكثير من أعماله للقصبة الأمازيغية، فرسمها بوضيعات وتقنيات وخامات متنوعة جعلت من إبداعاته تراكما يشهد على رسوخ قدمه في المجال. ينجز لوحاته بانطباعات شفيفة تقدم القصبة بأشيائها المتعددة العامة، وبأشيائها الخاصة التي لا وجود لها في معمار آخر، علاوة على هندستها التي تجعلها في قوام ساحر فعلا. لوحات تقدم القصبة هادئة مطمئنة وهي محفوفة بطبيعة رائعة فيجسدان جمالا في جمال، ما يجعلك تستشعر رهبة المكان المقدم في اللوحات بألوان زاهية تعمق جمالية القصبة. فالفنان يتعامل مع عالم وحياة القصبة وكأنها عائلات تتشابه كثيرا لكنها تختلف في جوانب، ما يجعلها تنعش النظر عبر لوحاته المختلفة الأحجام والرؤى. رسمها على الزجاج، على المرايا، على الخشب، على لاتوال، فأثمر ذلك منجزا إبداعيا ثريا ممتعا، يأتي من تراكم تجاربه الفنية في اللمسات اللونية، وفي إيقاعية الأشكال واتساق الظلال والنور، ما يبديها جزءا ساميا يتكامل جماله مع جمال المحيط بها من أشجار المشمش واللوز والصفصاف، علاوة على سواقي وغدران دفاقة بالماء العذب.
قصبات تتقابل وتتهامس بوجوهها العذراء لتتحدث عن الغافلين عن ألقها في زمن زحف الإسمنت والزفت على كل الفضاءات، بادعاء المتانة والحماية من تقلبات أحوال الطقس. ولأن الفنان عبد السلام جعل القصبة من أولى أولويات إبداعاته، فقد بدا وكأنه اتخذها تخصصا فنيا له، فأبرزها في جدران الساحات العمومية، والمقاهي، والفنادق، والمدارس وغيرها، علاوة على عرض اللوحات الحاملة لها في معارض جماعية وفردية. ويبقى بوزيان شبيها بمبدعين آخرين أخذوا على عاتقهم الارتباط الإبداعي بالقصبة على أن ذلك لا يعفيهم من البحث الجاد من أجل التنويع المدروس في التعاطي الإبداعي لتجسيدها، فالواقعية والانطباعية أسلوبان غير كافيين في إبرازها جماليا وفنيا.

m2pack.biz