نموذجان1من اصل9
النموذجان المتقابلان في الملكات والأخلاق ظاهرة معهودة في كل أمة، ولا سيما خلال النهضات التي تبرز فيها كوامن الملكات وتمنحن فيها حقائق الأخلاق.
وعهد التاريخ بها في شؤون الضمير كعهده بها في شؤون المعرفة والحكمة، أو في شؤون السياسة والتشريع، أو في كل شأن له أثر بين في أعمال الناس.
فاصطلح النقاد على تسمية هذين النموذجين في المعرفة والحكمة بالنموذج الأفلاطوني نسبة إلى أفلاطون، والنموذج الأرسطي نسبة إلى أرسطاطاليس، أو النموذج الذي يتمثل في النظريات ويتعلق بما وراء الطبيعة، والنموذج الذي يتمثل في التجربة والمشاهدة ويتعلق بالطبيعة وظواهرها المحسوسة.
وفي الأدب والفن يوجد المثاليون عشاق المثل الأعلى، والواقعيون طلاب الواقع الذين يأخذون الدنيا كما هي ويصفون الناس على ما هم عليه.
وفي السياسة محافظون ومجددون، وفي التشريع حرفيون ومعنويون، وفي العقيدة أو فقه العقيدة مقتدون ومجتهدون، وفي ميول الناس ومشاربهم عاطفيون وعقليون، وأصحاب أثرة أو أصحاب إيثار.
وليس المقصود بالنموذجين المتقابلين هنا تقابل الضدين اللذين يتناقضان كما يتناقض الصواب والخطأ، والخير والشر، والعلم والجهل، والهدى والضلال.
ولكن المقصود هو التقابل الذي يتمم فريقًا بمزايا فريق، ويعين قوة نافعة بقوة أخرى تكافئها، ويزدوج في عناصر الأمة كما يزدوج الجناحان اللذان يستقل بهما الطائر، ولا يستقل بفرد جناح.
هذان النموذجان معهودان، لازمان.
معهودان على الخصوص حيثما نهضت أمة من الأمم بجيمع قواها وجميع مزاياها، وجميع ما فيها من عدد الأهبة والحيطة وبواعث الاقدم والإحجام.
ولازمان في النهضات على الخصوص حيثما تقدمت النهضة في طريقها واحتجت عنها إمامها وهاديها، وأصبح لزامًا بعده أن تتقابل القوى، وتتعاون الجهود.
ومن تمام الدعوة المحمدية أنها كشفت هذه النماذج المتقابلة في الأمة العربية بين عشية وضحاها، فإذا الأمة العربية كلها كأنما هي حشد مستعد بكل عدة، متزود بكل زاد.
ظهر فيها أقطاب الشجاعة وأقطاب الدهاء، وظهر فيها المقدمون والمتحذرون، وظهر فيها الخياليون والعمليون، وظهر فيها كل طرف وما يقابله من طرف يوازنه ويستند إليه.
وبين هذه النماذج كلها نموذجان من الطراز الأول،