المغرب وسيط «مؤهل» لحل الأزمة الخليجية ينتظر «الضوء الأخضر» من الدول المعنية

المغرب وسيط «مؤهل» لحل الأزمة الخليجية ينتظر «الضوء الأخضر» من الدول المعنية

المغرب وسيط «مؤهل» لحل الأزمة الخليجية ينتظر «الضوء الأخضر» من الدول المعنية

الرباط – من محمد الطاهري: مع الزيارة الأخيرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس لكل من الإمارات وقطر، قبل أيام، تجدّد الحديث عن «المساعي الحميدة» التي كانت الرباط اقترحتها، عقب إعلان ثلاثة دول خليجية مقاطعة «شقيقتهم» قطر.
وبرغم أن زيارة الملك محمد السادس للدولتين الخليجيتين الأشد خصومة، لم توضع بشكل معلن في سياق «الوساطة» بين دول النزاع، إلا أن هناك مجموعة من المؤشرات التي تدفع تُجاه ترجيحها. ويرى محللون أن المغرب، في حال تلقّى «الضوء الأخضر» من الدول المعنية، للانتقال من «الحياد» إلى «الوساطة»، فإن «أواصر التعاون الثنائي، والعلاقات الطيبة» باعتبارها «أوراق نجاح» ستمكنه من حل الأزمة.
وعقب إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها لقطر، في حزيران /يونيو الماضي، وفي الوقت الذي عبّرت فيه عدد من الدول العربية الانحياز إلى الدول المقاطعة لقطر، اختار المغرب ما وصفه ب «الحياد البناء» بين الأطراف، الذي قال إنه «لا يمكن أن يضعها في خانة الملحوظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة».
وقال بيان للخارجية المغربية وقتها، إن «الملك محمد السادس قام باتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف الأطراف، مع الحرص على عدم الانزلاق وراء التصريحات واتخاذ المواقف المتسرعة التي تقوم بتأجيج الاختلاف وتعميق الخلافات».
وبعدما دعا العاهل المغربي «الأطراف لضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر، وتجاوز هذه الأزمة، وتسوية الأسباب التي أدّت إليها بشكل نهائي»، قال إن بلاده مستعدة «لبذل مساعٍ حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل بين أطراف النزاع، إذا أبدت الرغبة في ذلك».
وفي الوقت الذي كان فيه الكثير من المتتبعين أن ينحاز المغرب للمحور السعودي الإماراتي في هذا النزاع، فإنه اختار «النأي بالنفس» عن الاصطفاف إلى جانب أحد الطرفين، وقال إنه برغم بعده جغرافيا عن دول الخليج، فإنه «يشعر أنه معني، بشكل وثيق، بهذه الأزمة من دون أن تكون له صلة مباشرة بها».
وبالنظر للعلاقات القوية بدول الخليج في كافة المجالات، وللروابط الشخصية المتينة، والأخوة الصادقة، والتقدير المتبادل بين الملك محمد السادس، وأشقائه ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي، وأخذا بعين الاعتبار للشراكة الاستراتيجية المتميزة مع دول المجلس»، فإن الرباط قامت بخطوات رمزية «تضامنية» من خلال إرسال مواد غذائية لقطر، لكنها شدّدت في الوقت نفسه على أن هذه الخطوة «لا علاقة لها بالجوانب السياسية للأزمة القائمة بين قطر ودول شقيقة أخرى». ويرى مراقبون أن الموقف المغربي الموسوم ب«الحياد» لم يؤثر في علاقاته التي توصف ب «الجيدة» و«الاستثنائية» خصوصا مع السعودية، موردين أنه على بعد أقل من شهرين من اندلاع الأزمة، لم يتردد – كالعادة – العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وعدد من كبار الأمراء ومسؤولي الدولة في قضاء الإجازة الصيفية في مدينة طنجة شمال المغرب، لمدة شهر، زار خلالها العاهل المغربي نظيره في مقر إقامته.
وفي 8 تشرين ثاني /نوفمبر الجاري، ومع زيارة الملك محمد السادس للإمارات، بمناسبة افتتاح متحف «اللوفر» في أبو ظبي، التقى خلالها ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، والرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، والتي أعقبها بزيارة مباشرة من الإمارات إلى قطر، تجدّد الحديث عن «الوساطة المغربية» في الأزمة الخليجية، برغم أن أيا من الأطراف المعنية لم تعلن ذلك وتحدثت فقط عن «تعزيز العلاقات الثنائية».
وفي ظل التكتم الرسمي حول «الوساطة» المغربية في أزمة الخليج المتواصلة منذ أكثر من 5 أشهر، فإن عددا من المراقبين والمحللين يتجاوزون الحديث عن وجود الوساطة إلى استشراف حظوظ نجاحها. وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي المغربي، محمد شقير، إن المغرب برغم إعلان استعداده لبذل «مساع حميدة» بين الأطراف المتنازعة في الخليج، فإنه «تراجع إلى الوراء في انتظار ما ستسفر عن الوساطات الجارية خصوصا الكويتية»، مضيفا أن الوساطة الكويتية لم يتم فيها الوصول إلى المبتغى المطلوب منها، نظرا لتشدد مواقف أطراف النزاع».
وأوضح شقير أنه «بعد فشل الوساطة الكويتية، ونظرا للروابط التي تجمع المغرب مع دول الخليج التي تصل إلى اعتبارها روابط شخصية وعائلية بين الملك محمد السادس وأمراء الخليج، جعلت المغرب يتدخل من خلال زيارة الملك لكل من الإمارات وقطر لجس نبض الأطراف، خاصة بين هذين البلدين».
واعتبر أنه برغم أن زيارة العاهل المغربي لكل من الإمارات وقطر «غلّفت بالتعاون الثنائي وتعزيز العلاقات، إلا أنه خلف هذا الإطار كان هناك عرض وساطة مغربية، وتفاوض»، مضيفا أن الغرض من هذه الزيارة هو «جس النبض حول مدى قبول الأطراف بوساطة مغربية، وفي الوقت نفسه عرض مطالب هذه الأطراف».
وقال شقير إن «أطراف النزاع في الأزمة الخليجية في السياق الحالي «عندها قابلية للتخفيف من التوتر» لأنها تعتبر أن الخطر الإيراني أكثر إحداقا بها، كما أن الوضع الداخلي في السعودية لا يسمح بالاستمرار في الأزمة مع قطر. وخلص إلى أن «هذا الوضع يمكن المغرب من الدخول كوسيط مقبول بين أطراف النزاع في الخليج، ومن لعب دور إيجابي في هذا الإطار».
وبدوره قال خالد يايموت، الأستاذ الزائر للعلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إنه بعد إعلان الكويت وقف وساطتها بين الأطراف المتنازعة، «أحيى» المغرب من جديد مبادرته للوساطة، «لكنها بقيت لحد الآن غير معلنة البنود».
وأوضح أن «المغرب يسعى إلى أن تكون له لقاءات متعددة مع أطراف النزاع حتى تكون المبادرة مشتركة بينه وبين هذه الأطراف». واعتبر يايموت، أنه «من الناحية العملية هناك مساع حميدة، لكن هذا لا ينفي أن هناك مبادرة مغربية طرحت»، مشيرا إلى أن «المغرب عزّز مبادرته بالتنسيق مع فرنسا التي تقوم بجهود كبيرة سواء مع السعودية أو الإمارات».
وسجّل الأستاذ المغربي، أن هناك نوعا من «التململ» في مواقف كل من السعودية والإمارات وقطر. وشدّد على أنه «لا يمكن القول إن المغرب حقق نجاحا كبيرا، ولكن وجهة نظر المغرب عمليا هو أن على الخليجيين إعادة ترتيب الأولويات الخليجية على المستوى الإقليمي». ولفت يايموت، إلى أنه يمكن تسجيل «نجاح مهم» في هذه النقطة يتجلى في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الكويت، التي قال فيها إن «الأزمة مع قطر جزئية، والأولوية الآن لمواجهة المحور الإيراني والإرهاب».
وأشار إلى أنه «إلى حدود أسابيع قليلة مضت كان هناك خلط بين قطر ومنظومة المحور الإيراني والإرهاب، لكن الآن هناك فصل بين هذه الموضوعات». وقال إن «المغرب ركز على هذه النقطة بتنسيق مع فرنسا». وتوقع يايموت، أن يعود الملك محمد السادس لزيارة أخرى إلى الخليج أو أن موفدين خاصين للملك سيقومون بهذا الدور حسب التغيرات التي ستطرأ ودرجة ليونة مواقف الأطراف في هذه الآونة الأخيرة.
وفي انتظار «الضوء الأخضر» من دول الأزمة، يبقى المغرب واقفا أمام إشارة «الحياد» التي نجح في التعامل معها طوال 5 أشهر، مرسلا تطمينات عبر بيانات وتصريحات رسمية فضلا عن الزيارة الأخيرة للعاهل المغربي، مفادها أنه «مؤهل» بشكل كبير لإنجاح «الوساطة» بين «الأشقاء المتخاصمين»، حسب المراقبين.
«الأناضول»

m2pack.biz