تونس تعديل وزاري جديد قد يتسبب في صدام بين الحكومة واتحاد الشغل

تونس: تعديل وزاري جديد قد يتسبب في صدام بين الحكومة واتحاد الشغل

تونس... تعديل وزاري جديد قد يتسبب في صدام بين الحكومة واتحاد الشغل

تونس – «القدس العربي»: أجرى رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد تعديلاً وزارياً محدوداً شمل أربع حقائب، لكنه أثار جدلاً واسعاً في البلاد، في وقت توقع فيه بعض المراقبين عودة «الصدام» بين الحكومة واتحاد الشغل الذي سارع إلى اتهام الحكومة بالانقلاب على وثيقة قرطاج، فيما اعتبر بعض السياسيين أن التعديل الأخير مخالف للدستور.
وأصدرت رئاسة الحكومة بياناً أكدت بموجبه تعيين أحمد عظّوم وزيراً للشؤون الدينية (المنصب كان شاغراً منذ أشهر) وخليل الغرياني (عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف) وزيراً للوظيفة العمومية والحوكمة خلفاً لعبيد البريكي وعبد اللطيف حمام وزير دولة للتجارة خلفاً لفيصل الحفيان الذي تم تعيينه أيضاً مستشاراً لرئيس الحكومة.
اللافت أن التعديل الجديد جاء بعد تصريحين مثيرين للجدل لعضوين في الحكومة يتعلق الأول بتأكيد عبيد البريكي نيته تقديم الاستقالة من منصبه إلى رئيس الحكومة دون توضيح أسباب ذلك، ويتعلق التصريح الثاني بحديث فيصل الحفيان عن ضرورة مراجعة الاتفاقية التجارية مع تركيا، منتقداً زيادة الواردات من تركيا، حيث اعتبر بعض المراقبين أن تصريحي البريكي والحفيان كانا السبب الرئيسي وراء إقالتهما.
وقال البريكي (الناطق السابق باسم اتحاد الشغل) إن إقالته بهذه الطريقة تشكل «إهانة» بالنسبة له وأضافت في تصريحات صحافية «لقد تصارعت من النقابات وذهبت الى المناطق الساخنة من اجل الحكومة ولكنهم ردوا بإهانتي»، مهدداً بالكشف عن عدد من الملفات التي تتعلق بالعمل الحكومي.
واعتبر اتحاد الشغل أن التعديل الوزاري الجديد هو عبارة عن إعلان «موت» وثيقة قرطاج المبنية على التوافق والتي شُكلت الحكومة على أساسها، وكتب الأمين العام المساعد سامي الطاهري على صفحته في موقع فيسبوك مخاطباً النقابيين في تونس «رصوّا الصفوف.. استعدوا.. فالرسالة واضحة»، وأضاف «كاتب الدولة للتجارة يُقال لنقده اختلال الميزان التجاري بين تركيا وتونس، رب عمل يعين وزيراً للوظيفة العمومية ولَم يعرف الادارة في حياته، وزارات باركة (معطّلة) لا يتم التحوير فيها لانها ضمن الغنيمة، وزير يهدد بالاستقالة فيقال تنفيذاً لعقيدة ديكتاتورية: لا وزير يستقيل في حكومة الباي (حاكم تونس خلال الحقبة العثمانية)»، مشيراً إلى أن الاتحاد سيعقد اجتماعاً عاجلاً لمناقشة التعديل الوزاري الجديد.
وتوقّع مراقبون بدء مرحلة جديدة من الصراع بين اتحاد الشغل والحكومة، وخاصة بعد رفض رئيس الحكومة إقالة وزير التربية ناجي جلّول الذي يخوض صراعاً مستمراً منذ أشهر مع نقابات التعليم في البلاد التي تطالب باستقالته، وهو ما دعا الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي للخروج عن صمته والمطالبة صراحة بإقالة جلول، والذي اتهمه بمحاولة كسب نقاط سياسية على حساب التونسيين، فضلاً عن إقالة البريكي النقابي المعروف والذي شغل مناصب قيادية عدة في اتحاد الشغل في وقت سابق.
وكتب الباحث عبد اللطيف الحنّاشي «التحوير الوزاري الذي قام به السيد يوسف الشاهد لا يعبّر عن حكمة الرجل ولا خبرته السياسية و(ينم عن) جهل بتاريخ تونس المعاصر. ليس لابعاد السيد عبيد البريكي النقابي الوازن في الداخل والخارج ولا لدوره الفاعل في حكومة الشاهد، بل ايضاً للاختيار غير الموفق للوزراء وخاصة السيد خليل الغرياني المعروف بتوتر علاقاته بالاتحاد العام التونسي للشغل (القطاع الخاص) الامر الذي سيضاعف من التوتر بين هذه الحكومة والاتحاد».
من جانب آخر، اعتبر عدد من السياسيين أن رئيس الحكومة «خالف الدستور» في تعديله الوزاري الأخير، حيث كتب النائب عن حركة «النهضة» الحبيب خضر «من صلاحيات رئيس الحكومة إعفاء عضو في الحكومة ومن صلاحيته ان يعين مستشاراً وأما بالنسبة لأعضاء حكومة جدد فرئيس الحكومة لا يعين وزيراً بل يختار الشخص ويقدمه لمجلس نواب الشعب فإن نال الثقة فيتولى رئيس الجمهورية تسميته وتلقي يمينه. عبارات البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة تحتاج مراجعة».
فيما وصف حزب «التيار الديمقراطي» التعديل الوزاري الأخير بأنه «خطوة جديدة للمجموعة الحاكمة نحو الانتهاك الممنهج للدستور»، مشيراً إلى أن الدستور والنظام الداخلي للبرلمان ينصان على أن البرلمان هو من يعين أعضاء الحكومة ويراقبهم، و«إذا تقرر إدخال تحوير على الحكومة التي نالت ثقة المجلس إما بضم عضو جديد أو أكثر أو بتكليف عضو بغير المهمة التي نال الثقة بخصوصها فإن ذلك يتطلب عرض الموضوع على المجلس لطلب الثقة».
وفي حين اعتبر حزب «الاتحاد الوطني الحر» أن التعديل الوزاري الأخير «تم بطريقة ارتجالية ودون تشريك الاطراف الممضية على وثيقة قرطاج» محذراً من تبعاته على الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد، عبر عدد من نواب نداء تونس عن مساندتهم لرئيس الحكومة وأعضاء حكومته وخاصة وزير التربية ناجي جلول الذي اعتبروا أنه يتعرض لهجمة تدخل في إطار «محاولات ارباك المؤسسات التربوية خدمة لأجندة سياسية»، فيما فضل حزب «آفاق تونس» (ائتلاف حاكم) التزام موقف محايد، لكنه عبر عن قلقه من توتر العلاقة بين الحكومة واتحاد الشغل إثر إقالة البريكي.
من جانب آخر، رحب عدد من السياسيين بتعيين أحمد عظوم وزيراً للشؤون الدينية بعد أكثر من أربعة أشهر على شغور المنصب إثر إقالة الوزير السابق عبد الجليل بن سالم، حيث اعتبر رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «النهضة» نور الدين البحيري في تصريحات صحافية أن عظوم «غني عن كل تعريف باعتباره كان قاضياً ووزيراً كما تقلد عديد المسؤوليات القضائية وغيرها، وهو الرجل المناسب في المكان المناسب باعتباره شخصية معروفة ومعتدلة وله خبرة وهو قادر على ادارة وزارة الشؤون الدينية التي تعتبر من الوزارات الهامة في الوضع الحالي الذي نحارب خلاله الارهاب».
يُذكر أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي اعتبر قبل أيام أن حكومة يوسف الشاهد قدمت بداية ناجحة بالنظر إلى الظروف التي مرت بها البلاد في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنه لا يمكن تقييم عمل هذه الحكومة إلا بعد مرور عام على تشكيلها.

m2pack.biz